تجسد مشروع المحكمة العامة كصرح نابض بالحياة يؤدي مهامه بكل كفاءة واقتدار وسط مدينة الرياض في عام 1421 هـ، ليمثل بذلك إضافة نوعية تكاملية في جوانبه الوظيفية والعمرانية لمنطقة قصر الحكم التي تمثل قلب مدينة الرياض ومركزها النابض، إضافة إلى كونها مركزا تجاريا وسياسياً مهماً.
تقع المحكمة العامة في منطقة قصر الحكم، قلب مدينة الرياض، على أرض مساحتها 29893 متراً مربعاً، ويحدها من الناحية الشمالية طريق المدينة المنورة، ومن الناحية الغربية شارع الفريان، ومن الناحية الشرقية شارع الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ.
وقد بدأ العمل في برنامج تطوير منطقة قصر الحكم في منتصف التسعينيات الهجرية بتنفيذ المرحلة الأولى والتي شملت إمارة منطقة الرياض وأمانة مدينة الرياض وشرطة منطقة الرياض، ومن ثم تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج التطوير التي اشتملت على جامع الإمام تركي بن عبدالله وقصر الحكم والميادين والساحات العامة والطرق المحيطة وبعض بوابات الرياض القديمة وأجزاء من سورها القديم، واكتملت أعمال هذه المرحلة عام 1412هـ.
كما بدأت الهيئة الملكية لمدينة الرياض في تنفيذ المرحلة الثالثة من تطوير منطقة قصر الحكم، والتي تقوم فيها بأعمال التخطيط وإدارة التطوير إضافة إلى تزويد المنطقة بالمرافق والخدمات العامة، والقيام ببعض الأعمال الهادفة إلى تحسين مظهر المنطقة، وتشجيع الاستثمار فيها، ويتم تنفيذ مشروعاتها من قبل القطاع الخاص والقطاع الحكومي، ومن ذلك مشروع المحكمة العامة بالرياض، والذي جرى تحديد وظائفه وتصميمه بالتنسيق مع المختصين في وزارة العدل والمحكمة العامة بالرياض.
وضعت الهيئة الملكية لمدينة الرياض في اعتبارها عند تصميم مشروع المحكمة العامة عدة نواحي رئيسية، منها ضرورة الحفاظ على الشعور الذي يفترض أن يسبغه مبنى المحكمة على نفسية المراجعين والمتعاملين مع الأمور القضائية؛ ذلك الشعور المتمثل في العدل الذي ينبغي أن يمثل قيمة سامية يفترض أن يحققها القضاء. لذا جاء تصميم المبنى بشكل متناظر ومتساو كرمزٍ للعدل، كما يشكل المبنى بكتلته الرأسية الضخمة وكسوته الخارجية المصممة من حجر الرياض وشكله الذي يرمز لبوابة عملاقة، همزة وصل قوية بين منطقة وسط المدينة في الجزء الجنوبي ومنطقة قصر الحكم، حيث يمثل المبنى بوابة رمزية لمدخل منطقة قصر الحكم من الجهة الجنوبية. كما يجسد التصميم الاستمرارية التاريخية للنسيج العمراني المحلى و تناغمه مع متطلبات العمارة المحلية والواقع العمراني المحيط بالمشروع.
أدت المتطلبات الوظيفية والعمرانية للمشروع و الأحياء المحيطة به إلى ضرورة الاتجاه نحو الانتشار الرأسي لتسهيل حركة المراجعين والعاملين في المبنى، إضافة إلى توفير الساحات والميادين التي تحتاجها المنطقة. ونظراً للظروف المناخية، تم تغليف جميع واجهات المبنى بالحجر مع فتح نوافذ رأسية تساهم في توفير أقصى قدر من الإضاءة لمكاتب المبنى في حدود متطلبات ترشيد الطاقة. كما تساعد المساحة الزجاجية في وسط المبنى على توفير الإضاءة لقاعات المبنى وصالاته المفتوحة، ويوفر وضعها الغائر داخل المبنى حماية قصوى من أشعة الشمس وتفاوت درجات الحرارة.
وقد جُهز المبنى بعدة أنظمة حديثة ومتطورة مثل نظام إطفاء الحريق بالماء، وآخر بالغاز للأماكن الخاصة بتخزين الوثائق المهمة في المحكمة، وكاميرات مراقبة، ونظام نداء مركزي، إضافة إلى نظام تحكم متكامل في الأنظمة المستخدمة مثل الإنارة والتكييف والإنذار وخلافه. كما زود أيضاً بشبكة متطورة للحاسب الآلي، ونظام تخزين حراري يوفر 50% من الطاقة المطلوبة للتكييف وقت الذروة.
وروعي في تصميم المبنى أن يكون بوابة حقيقية تربط بين الساحات المفتوحة جنوب المبنى وطريق المدينة المنورة ومنطقة قصر الحكم، دون أن يؤثر ذلك على أدائه الوظيفي ومتطلباته الأمنية والتشغيلية, كما روعي في تصميم المناطق الخارجية أن تكون مسطحات خضراء متصلة بميادين مرصوفة للمشاة والمارة والجالسين مراعاة لظروف الحركة الكثيفة في المنطقة والمتطلبات المناخية التي تستلزم تشجيراً يناسب ظروف البيئة.
وقد وضع المسجد على الحافة الغربية لأرض المشروع ليساهم بذلك في خدمة سكان الأحياء المجاورة والطرق المحلية وتبلغ مساحته 1500 متر مربع ويتسع لـ (600) مصلٍ إضافة إلى مصلى النساء.
كما يحوي المشروع موقفاً أرضياً لسيارات المراجعين يتسع لأكثر من 130 سيارة، وقبواً استخدم كموقف لسيارات الموظفين يتسع لـ (300) سيارة.
يستدعى عمل المحاكم وطبيعة مراجعيها كثافة عالية في الحركة داخل مبنى المحكمة، لذا تم اعتماد مبدأ الانتشار الرأسي لتقصير المسافات على المراجعين والموظفين العاملين. وهذا المبدأ يسهل حشد المكاتب الخدمية حول محور من عشرة مصاعد لتكون قريبة من الزوار والمراجعين ويسهل التعرف والاستدلال عليها.
أدى اختلاف طبيعة المستفيدين من المحكمة إلى اتخاذ إجراءات دقيقة ومضمونة لتيسير الحركة داخل المبنى، فهناك القضاة وكبار المسئولين الذين يحتاجون إلى الخصوصية في العمل، وهناك بعض المرتادين الذين تستدعي حركتهم في المبنى ترتيبات أمنية خاصة تحفظ لهم حقهم في الخصوصية والسرية، كما وضعت جميع العناصر المتعلقة بالمراجعين في الطابقين الأرضي والأول.
يتكون مبنى المحكمة من أربعة عشر طابقا تشتمل على 32 مكتباً قضائياً وخمس دوائر قضائية، إضافة إلى مكتب رئيس المحكمة ومقر بيت المال والمكاتب الإدارية ومكتبة متخصصة وقاعة للاجتماعات، كما يحتوي قبو المبنى على قاعة رئيسية متعددة الوظائف تتسع لمئتي شخص ومكاتب أمنية وسكن أفراد الحراسة. ويمثل المكتب القضائي الوحدة الوظيفية الرئيسية في المحكمة والتي صممت في بساطة معمارية تؤكد هيبة القضاء، واختير لها المواد الطبيعية مثل الرخام والخشب في اندماج متجانس مترابط بألوانها المناسبة لتأكيد هذه البساطة، كما اختير الجرانيت الأخضر والرخام الأبيض في تشطيب البهو الرئيسي للأدوار المتكررة، والذي يعمل كموزع رئيسي للجلسات القضائية.
ويتكون كل من المكتب القضائي والدوائر القضائية من مجلس قضاء ومكتب للقاضي ومكتب لكتاب الضبط إضافة إلى غرفة لانتظار السجناء و أخرى للسجينات ومكان لانتظار الرجال و آخر للنساء ومكتب للسكرتارية والاستقبال.