كشفت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عن أحدث مشاريعها العمرانية التراثية المتمثل في مشروع إنشاء “مركز الفن المعاصر” الذي يقام ضمن برنامج تطوير الدرعية التاريخيّة، وذلك خلال مشاركتها في “ملتقى التراث والفنون الثاني” الذين تنظمه الجمعية السعودية للمحافظة على التراث في مركز الملك فهد الثقافي بمدينة الرياض خلال الفترة من 10 إلى 14 رجب 1437هـ.
وعرض جناح الهيئة في الملتقى، مجسماً للمركز يوضّح انسجام تصميمه مع وظيفته الإبداعية ويعبّر عن مضمونه ومحتواه الفني، حيث راعى التصميم المعماري لـلمركز، بشكل خاص النمط التقليدي للبناء في المنطقة، والهيكل العمراني للدرعية، إضافة إلى محاكاة بعض تصاميم المدن السعودية التاريخية، حيث يساهم مبنى المركز في إعادة التوازن البصري والربط بين المناطق المطوّرة في برنامج الدرعية التاريخية، والبيئة الطبيعية المحيطة بالموقع، وذلك من خلال استفادة التصميم من تعدّد وظائف المشروع، وتصميمه عدداً من المباني المستقلة التي أوجدت تناغماً ما بين المشروع والبيئة المجاورة من مباني وشوارع ومزارع.
كما تم استيحاء قيم وأصالة الدرعية التاريخية في التصميم العمراني للمركز، عبر الاعتماد على الصورة الفنية التجريدية في طريقة البناء، ليظهر المبنى على شكل نحت فنيّ يبعث على استمرارية التواصل مع الأنماط التراثية القديمة في العمارة، إضافة إلى إعطاء المشروع فراغات واسعة ومرونة للنمو المستقبلي أو التعديل إذا تطلَّب الأمر، وهذه الخاصيَّة هي إحدى ميزات النسيج العمراني التقليدي.
ويقع مبنى المركز في حي البجيري بالدرعية التاريخية، بإطلالة مستطيلة على وادي حنيفة، تشرف على أطلال حي الطريف المنيفة، وتعتمد الفكرة التصميمية للمركز على إنشاء فراغات شائقة، متنوعة تستوعب مختلف وظائف المركز، من: قاعات للعرض، وقاعات للمحاضرات بمختلف أحجامها، إضافة إلى المكاتب الإدارية والعناصر الخدمية الأخرى.
ويمزج تصميم المركز بين تقديمه تصوراً حديثاً للارتقاء الثقافي لإنسان المنطقة، مع الحفاظ على الهوية العمرانية المحلية العريقة والانتماء المتناغم مع المكان، وينسجم كذلك مع البيئة الطبيعية لوادي حنيفة والدرعية التاريخية؛ حيث تصطف كتل مباني المركز على ضفة الوادي، دون أن تؤثر على الرؤية البصرية العامة لجمال الموقع، في الوقت الذي يعبّر فيه التصميم بكفاءة عن الهوية العمرانية التراثية للدرعية التاريخية من خلال نمط تصميم المبنى ضمن كتل مستقلة، تترابط عبر ممرات شاهقة، تتيح الحركة في جميع الاتجاهات.
كما عرض الجناح خارطة تاريخية تفصيلية لمدينة الرياض، مستوحاة من خارطة الرحالة عبدالله فيلبي، وثّقت لفترة زمنية مهمة من تاريخ مدينة الرياض خلال عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، رحمه الله، وشملت عدة عناصر من أبرزها: سور الرياض القديم وبواباته التاريخية، والأحياء القديمة (الحلل)، والشوارع الرئيسية والمساجد والكتاتيب والمعالم العمرانية، ومواقع أهم القصور والبيوت والأسواق والمهن، وأبرز الرحالين الذين زاروا المدينة بين عامي 1278هـ و1349هـ، ووصفوها من عدة جوانب ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية.
كما عرض جناح الهيئة، تعريفاً برامجها ومشاريعها في مجال التراث العمراني في مدينة الرياض، ومن أبرزها: برنامج تطوير منطقة قصر الحكم، وبرنامج تطوير حي السفارات، ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي، وبرنامج تطوير الدرعية التاريخية، إضافة إلى استيعاب متطلبات التنمية المعمارية التراثية في المشاريع الحضرية الاستراتيجية مثل برنامج تطوير وسط مدينة الرياض.
كما حرصت الهيئة على تضمين التراث العمراني في مهام التطوير المختلفة، وطورّت مفاهيم تطبيقية حديثة لاستلهام العمارة التراثية وبعث الهوية العمرانية في مدينة الرياض، وذلك من خلال وضع الاشتراطات العلمية في تخطيط المشاريع الحضرية الحديثة، وتصاميمها المعمارية بغض النظر عن وظيفتها الحضرية، ويشمل ذلك مشاريع: المناطق المفتوحة، ومقرات المؤسسات الإدارية والخدمية المهمة.
وتناول الجناح التنمية الحديثة لتراث الرياض العمراني من الجانب الثقافي، حيث يشكل التطور التراثي لعمران المدينة من خلال الدراسات والأبحاث أحد المهام الأساسية التي اضطلعت بها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، حيث أعدت مجموعة من الدراسات والبرامج الثقافية في هذا الجانب، منها: مشروع المسح التراثي للمباني الطينية بمدينة الرياض وتوثيقها، ووضع التنظيمات للمحافظة عليها، والمسح التراثي للمنشآت الطينية والحجرية بوادي حنيفة، وتوثيق أولي للمواقع التاريخية والأثرية المطلة على الوادي.