تأتي ندوة الإسكان (3) ضمن الجهد البحثي التراكمي المتواصل، الذي تقوم به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، للنهوض بقطاع الإسكان، حيث ركزت ندوة الإسكان الأولى (1423هـ) على تشخيص وضع الإسكان في مدينة الرياض، والعوامل المؤثرة فيه، وكان موضوع ندوة الإسكان الثانية يتعلق بسبل تيسير المسكن، وتوفيره لعائلات المستقبل في المدينة، وتأتي ندوة الإسكان الثالثة لتركز على دراسة كل المتطلبات اللازمة لإيجاد الحياة السكنية التفاعلية الإيجابية بين السكان، في الحي السكني، سواء في الأحياء المستقبلية، وسبل تحسينها في القائمة.
جودة الإسكان من المطالب الضرورية للمدن، وبها يقاس المستوى الحضري للمدينة، وهي نتيجة لجودة التخطيط، وجودة تصميم المساكن وإنشائها، وكفاءة الخدمات والمرافق العامة، إلا أن الهدف الحقيقي من جودة الإسكان يتمثل في تحقيق الحياة السكنية الراقية، داخل المساكن وخارجها، من حيث الأمن، والبيئة الصحية، والتفاعل الاجتماعي الإيجابي بين سكان الحي، وإفادتهم مما يتوفر في حيهم من مرافق، وتجهيزات، وفراغ مشترك.
جودة الحياة السكنية ورقيها تستند في جانب كبير منها إلى جودة الحي السكنى، وإلى عوامل أخرى، تحث السكان على الإفادة من جودة حيهم السكنية، كالبيئة التنظيمية الإدارية البلدية في المدن، والشعور بالمسؤولية، والتواصي بالمعروف، والتناهي عن المنكر بين سكان الحي، ومدى انسجامهم مع التوجيهات الشرعية الداعية إلى التآخي، والتكامل والتعاون، والتواصل بين أفراد المجتمع عموماً، والجيران على وجه الخصوص، وتعتمد أيضا على ثقافة المجتمع، ونظرته لمعيشته ومشاركة الآخرين فيها.
جودة الحياة السكنية تضمن الحفاظ على جودة الحى السكنى، وتزيد من قيمته الحسية، والمعنوية بمرور الوقت، وتحول دون ظهور السلوكيات المنحرفة.
تعد جودة البيئة السكنية مؤشراً على مستوى جودة الحياة. وتتطلب تنمية البيئة السكنية وتحسين مستواها العناية بجودة الأحياء السكنية، ودعم الإحساس بروح المجموعة بين السكان، وتمكينهم من المشاركة في إدارة الحي والعناية به. فالوحدات السكنية منفردة لا تنتج بيئة سكنية جيدة، ولكن تتحقق البيئة الجيدة من خلال توافق التشكيل العمراني للأحياء، مع الخصائص البيئية والمناخية، وتفاعله مع الاحتياجات الاجتماعية.
تشكل الأحياء السكنية غالبية النسيج العمراني، لذا؛ فإن خصائصها الإيجابية أو السلبية تؤثر بشكل واضح على هوية المدن. فحين تتدهور بعض الأحياء السكنية بمرور الوقت، عمرانيااواجتماعيا، فإنها قد تصبح رمزا للفقراوالجريمة. من هذا المنطلق تجب العناية بتحسين مستوى الأحياء، خصوصاً أن العديد منها — في المملكة العربية السعودية، وفي مدينة الرياض بشكل خاص – يتتبع التخطيط الشبكي، الذي يدعم سيطرة السيارات، وزيادة سرعتها، ويشجّع المرور العابر، ما يعرض السكان لخطر الحوادث المرورية. كما أن نقص الحدائق والساحات العامة، وأرصفة المشاة، وعناصر التنسيق الخارجي في الأحياء السكنية، يقلل من حركة المشاة، ويجعل تواجد السكان في الفراغات العامة والمشتركة نادراً، فتزداد نتيجة لذلك العزلة بين الجيران، ويقل التعارف بينهم، وتضعف العلاقات الاجتماعية، التي تنمي حس الانتماء، وتحد أيضأ من آلية الوقاية الجماعية، التي يؤدي ضعفها إلى ارتفاع معدل السرقات، ونقص الإحساس بالأمن. كما ينتج عن تغير وظائف بعض الأحياء، من السكني إلى التجاري أو المكتبي، وعدم الاستفادة من البنى التحتية بها، ومن عناصر المرافق والخدمات الأخرى لصالح السكان، كما يدفع بالمدن إلى التوسع والتمدد، من خلال الاستمرار في إنشاء أحياء سكنية جديدة على أطرافها، بتكاليف باهظة؛ لتوفير الخدمات والمرافق، وإيصال البنية التحتية، والتوسع في نظام النقل.
ومن هذا المنطلق تدعو ندوة الإسكان (٣) جميع المتخصصين إلى المشاركة في مناقشة العوامل المساهمة في تطوير الأحياء السكنية القائمة أو الجديدة، وجعلها أكثر حيوية ضمن الأبعاد العمرانية والاجتماعية، والبيئية، والأمنية، والجمالية.
تهدف الندوة إلى تمكين الخبراء والمتخصصين من تبادل المعلومات والتجارب والخبرات، حول إيجاد بيئة سكنية جيدة، تزدهر فيها حياة سكنية راقية، ومناقشة العوامل المساهمة في تحسين الأحياء السكنية، وجعلها أكثر حيوية، وتقديم البحوث والدراسات العلمية، التي تعمل على تطوير الأحياء القائمة، أو إيجاد أحياء جديدة من منظور عمراني واجتماعي وأمني وبيئي وجمالي، والتعريف بنماذج لأحياء سكنية تلبي احتياجات السكان، وتتفاعل مع المؤثرات البيئية والاقتصادية.
إطلاق مظاهر الحياة السكنية الإيجابية التفاعلية داخل الأحياء، بالمستوى الذى يعود بالفائدة على سكان الحى، ويوظف مرافق الحي وقدراته بشكل إيجابي مثمر، ويسهم في زيادة القيمة المعنوية والحسية للحى؛ يرتبط بعدد من العوامل التي تشكّل في مجملها بيئة مواتية لإطلاق مظاهر الحياة الاجتماعية الإيجابية بين جنبات الحي. هذه العوامل الأساسية هي محاور الندوة، ويندرج ضمن كل محور (عامل) منها عدد من العناصر الفرعية، التي تسهم مجتمعه في تحقيق الوضع النموذجي لكل محور، بحيث يكون فاعلا في جودة البيئة السكنية، والحياة السكنية الراقية في الأحياء، وهذه المحاور هي:
معايير تخطيط وتصميم الأحياء السكنية في الضواحي السكنية، وفى المراكز الحضرية، وفى مناطق وسط المدينة، وحول المناطق التجارية.